أقام المركز الثقافي الخاص “القناع” عرضه ما قبل الاول لمسرحية “كنت هاملت” بمركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس يوم السبت 23 جوان 2016 وسط حضور مكثف تميز بمواكبة الشباب خصوصا رغم الأجواء الكروية التي تسيطر على الأحداث في تونس مع انتظام فعاليات كأس العالم لكرة القدم . رغم حداثة تكوينه فإن مركز ” القناع ” و المتواجد بمدينة المحرس الساحلية قد انطلق بعد في وضع بصماته على المشهد الثقافي المحيط به من خلال شراكة فاعلة مع مختلف التلوينات و المؤسسات الثقافية المحيطة في مجال المسرح بشكل خاص محققا أولى خطوات المعادلة القائمة على صفة ” الشجاعة ” في الاستثمار الثقافي و ” طول النفس ” في الابتعاد عن المركز و عن المركزية.
عن الكواليس و أسرارها..
في بداية الامر كان العمل المسرحي المعروض مرشحا لحمل “كنت شكسبير” كعنوان له غير أن أصحابه اتجهوا في الأخير إلى اختيار ” كنت هاملت ” و لعل واحدا من أهم أسباب هذ الاختيار هو أن الاشتغال على ” هاملت ” فيه اشتغال مباشر على المحاور الخمسة الكبرى “ السياسة الدين المسرح الحب الموت ” و هو الأمر الذي كان ممهدا لنقل العمل إلى مخبر مفتوح و معروض أمام الجمهور.
جملة من التساؤلات حول أزمة الانسان المعاصر و “مباحث” قديمة و متجددة تم الخوض فيها مع مراعاة مواكبة نسق التحولات والتغيرات السريعة في المجال الجغراسياسي ، في عصر العولمة والمعلوماتية والهيمنة الاقتصادية وظاهرة الاحتكار واغتراب الانسان تجاه انسانيته .عالم من الاسقاطات المحكمة عاشه الجمهور المواكب ” كنت هاملت ” و المرواح بين النص الأصلي الذي تحتفظ به الذاكرة و بين واقع معيش جله مؤلم في الخارج لكن ذكره و التعرض له على المسرح هو جزء هام من وصفة العلاج بالألم تماما مثلما ذهب إلى ذلك مخرج العمل و مؤلفه.
على خطى مسرح توفيق الحكيم
قبل اكثر من اربعمائة سنة كرر شكسبير و على لسان هاملت “أكون أو لا أكون هذا هو السؤال” الا ان الواقع الجديد اليوم بمتغيراته صار يفرض علينا رؤية جديدة و مستحدثة ذلك ما جعل كاتب نص العمل المسرحي ” علي الحجاج ” يطرح فرضية أخرى هي “أكون أو لا أكون تلك هي الاجابة”. ، لم يشتغل النص على الية المسرح داخل المسرح كسعدالله ونوس او وجهه الى الفئة البسيطة بل سلك نهج مسرح توفيق الحكيم مقدما طرحا فلسفيا وجوديا ذهنيا يكسر تكلس العقل ويكسر الجدار الرابع الذي يفصل بين الركح المشاهدين في شكل دعوة صريحة للجمهور للمشاركة في التساؤل والتفكير.
من خلال الشخصيات التي اعتلت الركح في هذا العمل يبدو أننا كنا أمام بطولة جماعية موزعة بالتساوي بين الجميع بعيدا عن المسرح الذي يشرع لفرد واحد أو اثنين احتلال المساحات الكلامية و الحركية و اكتفاء باقي الممثلين بتمهيد الطريق له على الخشبة دائما و لعل هذا التساوي هو ذات التساوي في القيمة و الأهمية الذي تشغله المحاور الخمسة الوجودية داخل العمل بشكل ضيق و داخل الحياة بشكل أكثر تعميما.
للموسيقى الايقاعية في العمل دور نفسي تصعيدي ينتقل بكثير من الاتقان من ما يختلج داخل نفس كل شخصية الى حالة من التوجس و الترقب في نفس المتفرج خصوصا من خلال استعمل تقنية ” النقر ” و هي التي تعتبر ربما أم الموسيقى بأشكالها الحديثة التي نعرف.
الحركة والميم أو البانتوميم
لم يقم العمل المسرحي على الكلمات فقط بل ركز ايضا على خطاب الميم الذي يعبر سيمائيا ورمزيا عن مجموعة من القضايا السالف ذكرها بميمات حركية وايماءات ميمية صائتة وميمات صائتية صامتة كموقف مناهض للتكرار والرتابة والحوارات العقيمة والثرثرة، ورسالة تخاطب العقول قبل الاذن تجلب الانتباه الى التفاصيل الدقيقة في الوجه وحركات الجسد المرنة ليعبر عن معضلات لا يستطيع الكلام ايصالها ويعجز عن فك شفراتها.
شباب يفكر ينتج ويناقش
بداية ثانية هي تلك التي عرفها العمل بعد نهايته و بعد التحية التي وجدها من الجمهور الحاضر و ذلك بعد فتح باب النقاش في عادة جميلة و تفاعلية تتيح في الغالب للجمهور تدارك بعض النقاط و تتيح لأصحاب العمل رفع اللبس عن بعض النقاط الغامضة ان وجدت الأمر كان دليلا متجددا على وجود نوعية مميزة من الجمهور قادرة على استقبال الاعمال الفنية المتنوعة و تفكيكها بالاستفادة الذاتية و افادة أصحاب العمل أنفسهم.
كلام على الكلام
يقول شكسبير “الدنيا مسرح كبير وان كل الرجال والنساء ما هم الا لاعبون على هذا المسرح” ، ما يهم في الامر هو الاثر الذي يترك في نهاية المسرحية او حياة الانسان ، شباب يحاولون ويبحثون ويتساءلون عن الماهيات في ظل غياب الدعم والتهميش للفنون والثقافة ، حفر بمسامير ستدق نعش الجهل المسلط من قبل من يكتب بالممحاة. .
بقلم : استبرق العايدي
فريق العمل : “كنت هاملت”
سينوغرافيا واخراج : حسام العابد
نص : على الحجاج
أداء : رحاب غرس ، اسامة الحنايني ، احمد رامي عاشور ، حسام العابد
اداع موسيقي : حافظ الميعادي
ملابس : مريم البريبري
مساعد المخرج : علي الحجاج
ادارة الانتاج : رحاب غرس
انتاج : المركز الثقافي القناع