في النهاية
رحلت تظاهرة “صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 ” بكل ما فيها تاركة في النفوس آثارا لم تتركها على الأرض..
اصطففنا عراة من كل شيء إلا من حقيقتنا
وقفنا شاهدين على الثقب العظيم الموجود في جدار السياسة الثقافية في البلاد..
اكتشفنا بالصدفة حجم الأبوة التي يكنها لنا المركز كهامش وحجم الأبوة التي نكنها كمركز فرعيلهوامشنا.. يوم تأكدنا من أننا متعايشون مع بعضنا البعض فقط.. لأن الطبيعة حشرتنا سويا دون ترتيب..
بين هذا وذاك تبقى هذه الشهادة الحية على هذا الحدث الميت ضرورية حتى يكتمل فعل التفاضح وحتى لا تطل الأزمة من مخبأها بنصف رأس وحتى يرمها بحجر كل من كان بلا خطيئة.
إحالة أولى
وجب التمييز في مسألة منح تنظيم تظاهرة في حجم ” عاصمة للثقافة العربية ” بين طبيعة هذه الفعالية وبين الأحداث الرياضية الكبرى فحين يتم اعتماد شرط ” الجاهزية ” لختيار الطرف المستضيف فيما يتعلق بالرياضة )الألعاب الأولمبية، كأس العالم لكرة القدم، الألعاب المتوسطية..( ومن ذلك القدرة على تنظيم الحدث وانجاحه فإن الأمر يختلف حين يتعلق بالثقافي الذي قام منذ سنة 1996 تاريخ استضافةالقاهرة لأول ” عاصمة للثقافة العربية ” على مبدأ التداول بين الدول من ناحية وبشكل جزئي على ما تحتويه الملفات المقدمة من طرف كل دولة تترشح للفوز بمثل هذا الحدث..
الملف.. الورطة
بالعودة إلى حيثيات تقديم ترشح ” صفاقس ” لتكون عاصمة للثقافة العربية لسنة 2016 لا يتعلق بالضرورة بتفتيش في صدقية النوايا التي من خلالها صيغ هذا الملف وقدم ولعل هذا لا يمكن أن يأخذ بتعلة التعفف عن هذه المسائل بقدر ما هو إشفاق على حريرات قد تنفق في غير محلها لذلك فإن المرور السريع على هذا الموضوع يهمنا في المقام الأول بوصفه نتيجة تحولت إلى ورطة.
دون الرجوع لأهل الاختصاص بشكل موسع ودون العودة إلى الجهات المتداخلة في مسألة الجاهزية التقنية واللوجستية من عدمها تم إعداد ملف التظاهرة تماما كما يتم إعداد ملف يهم تظاهرة ذات حجم محلي مصغر بالتوازي مع غياب سلطة محلية ” منتخبة ” وقادرة على ضبط استراتيجيات عمل آنية ومستقبلية على مدى قصير وطويل و في هذا السياق تقريبا أورد موقع خبرا مفاده : ” رفضت فيرجينا راجي، التي انتخبت في شهر حزيران/يونيو الماض ي عمدة D.Wللعاصمة الإيطالية روما دعم ملف ترشح المدينة لستضافة الأولمبياد وقالت اليوم الأربعاء 21 ايلول/ سبتمبر( إن “دعم هذا الترشح يعد تصرفا غير مسؤول “، مشيرة إلى أن هناك في (المدينة الكثير من المسائل الأكثر إلحاحا ينبغي التعامل معها. وأوضحت راجي أن “تنظيم الأولمبياد بمثابة حلم تحول في نقطة معينة إلى كابوس”. وسبق للجنة الأولمبية الإيطالية أنأعلنت قبل هذا الإعلان عزمها النسحاب من سباق المنافسة على تنظيم أولمبياد 2024 ، إذالم ينل ملف روما دعم راجي. ( نشر بتاريخ : 21.09.2016 D.W 1 موقع )
فالملف الذي قدم والذي سنطلق عليه عبارة ” المشروع “مجازا يبدو أنه قد استهل نفسه ببداية سيئة ربما حددت سياقا كاملا استمر طيلة فترة التحضيرات والتنفيذ الفعلي أي من تاريخ 23 . جويلية 2016 إلى 17 مارس 2017 تخضع المشاريع عموما ونخص بالذكر الثقافية منها إلى شروط ثلاثة وهي بالأساس “الفكرة” والتيتبرز قدرة صاحبها على الحلم والخروج عن خط المشاريع السائدة والموجودة فعلا ثم تأتي ” دراسةالتنفيذ ” كمرحلة ثانية و هي هنا تشبه عملية وضع هيكل واسع حول ” الفكرة “بدراسة التنفيذ و التخطيط له من خلال الخطوط العريضة في مرحلة أولى و دائما من خلال التشاور الأفقي و العمودي وصولا إلى مرحلة وضع سقف الفكرة و تبقى هذه هي النقطة المفصلية تقريبا خلال هذه المرحلة لأن ما يتم الخروج به هنا هو ” المانفستو ” الملزم لاحقا لكل خطوة يتم اتخاذها خصوصا أن هذه المرحلة هي مرحلة مطابقة الإمكانيات المتوفرة و المتاحة من خلال البنية التحتية و الاعتمادات المتوقع رصدها و التمويل الذاتي المتوقع الحصول عليه مع ” الفكرة الأم ” التي لا تصغر أو تتقلص بتقدم الدراسة بل تأخذ شكلها الحقيقي الذي سيمر مباشرة إلى التنفيذ .
قبل الخوض في الشرط الثالث أي ” التنفيذ ” وجبت الإشارة ربما إلى بعض النقاط التي سقطت فيمراحل ” دراسة التنفيذ ” في مشروع ” صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 ” قياسا بتجارب مقارنة بشكل مخصوص و نعني مدينة ” ليل ” الفرنسية على وجه التحديد و التي كانت عاصمة للثقافة الأوربية سنة 2004 و التي نجح القائمون عليها في ابتكار منوال تنموي ثقافي فريد من نوعه قائم على إعادة استغلال المنشئات الصناعية المهملة و القديمة .
قبل الخوض في هذه النقطة وجبت الإشارة إلى أمر على غاية من الأهمية ونعني به أن هذه التظاهرات بعثت لتكون رسمية بالأساس ومن ذلك الارتباط الوثيق بالعواصم السياسية انطلاقا من قرار الترشيح وصولا إلى التنفيذ مرورا بالبرمجة وهو ما حدث فعلا خلال حدثين مهمين هما “تونس – عاصمة الثقافة 1997 ” و ” القيروان – عاصمة الثقافة الإسلامية 2009 “ والحديث هنا هو عن برمجة جاهزة ومركز ممسك بكل دواليب البرمجة والتنفيذ و الأمر ينسحب تقريبا علىأغلب دورات عواصم الثقافة العربية التي أمكن لنا الاطلاع على برامجها و التي يطغى عليها الجانبالبروتكولي و التشريفاتي على حساب الثقافي الذي يتحول من أصل إلى فرع مهمل داخل زحام رفيعي المستوى و لعل الدافع الرئيس لاستحضار هذه النقطة المفصلية الآن و هنا هو أن ” تونس ” مابعد حراك ديسمبر 2010 هي ” تونس ” مختلفة و متغيرة و الأهم من ذلك أنها باتت متحركة بأن بات الرسمي فيها شبه ثانوي فلم يعد للمركز فيها نفس السطوة التي كانت رغم الهزات الارتدادية أحيانا و لم تعد الجهات لينة لدرجة قابلية العصر رغم موجات الحنين أيضا و التي سنعود لها بأكثر دقة يبقى أن نؤكد و أن نضع أسطرا عدة تحت نقطة انفلات المثال التونس ي عن القوالب التقليدية لمثل هذه التظاهرات خصوصا و أن تجربة ” صفاقس عاصمة الثقافة العربية ” قد عرفت انحرافا بهذا المفهوم بالمرور من ديكتاتورية الفرد الواحد ) مركز , أقلية ( إلى ديكتاتورية الأغلبية أو ما اصطلح على تسميته بديمقراطية الصراخ .