لاعتبارات تهم تراجع الوضعين الاقتصادي و الاجتماعي في تونس تبقى الممارسة الثقافية بأنواعها على رأس قائمة ما يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله في أفضل الحالات بطريقة يمكن تفهمها من زاوية تحول الثقافي الى نوع من أنواع الرفاه الذي يبقى ثانويا ربما بالمقارنة مع باقي الأولويات و قياسا بالمكانة المتدنية التي كان يحتلها هذا الشأن حتى قبل الأزمة بتلازمه مع مفهوم الترفيه قبل التثقيف و الاحتفال قبل التأسيس و المراكمة. 

بين المبادرات التي تقدمها الدولة ممثلة في وزارة الثقافة و التي يبقى تواصلها رهين بقاء الوزير المشرف من عدمه و بين تلك التي تقودها مبادرات فردية شبابية بالاساس يبقى الحديث عن سياسة ثقافية واضحة في تونس أمرا شديد الالتباس لغياب العمل المؤسس عدا بعض المبادرات التي تمكنت من انقاذ نفسها اعتمادا على امكانيات فردية بحتة في فعل ثقافي مقاوم دون مبالغة.

حالة من الحركية غير الاعتيادية تعيشها بعض الأحياء الشعبية في تونس منذ فترة على وقع مهرجان السينما في حومتنا وهو  مهرجان كان قد إنطلق منذ أربعة سنوات حيث كان مقتصرا في نسخه الثلاث الأولى على منطقة دوار هيشر ليتحول هذه السنة إلى مهرجان نجح في تأمين أربعة و عشرين عرضا و ليجوب أحد عشرة ولاية من أصل أربعة و عشرين ولاية هي كل ولايات الجمهورية. 

 

المهرجان الذي أسسته الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة و يدعمه برنامج تفنن يعمل على التخطيط له و تنفيذه مجموعة من الشباب المؤمنين بضرورة رفع شعار السينما المقاومة و الملتزمة بقضايا الشعوب و يبقى السعي الى تطبيق ذلك  منطلقا و بالضرورة من العمق و من داخل الأحياء الشعبية حيث الكثافة السكانية العالية و حيث نسبة الأطفال مرتفعة و حيث تتشكل أولى بوادر أزمة الانتماء لدى الناشئة لاعتبارات تهم الفوارق الاجتماعية و الفرص المتدنية في الحصول على اهتمام أعلى خصوصا حين يتعلق الأمر بالحق في الثقافة القائمة على المراكمة لا على المراكنة. 

 منذ  أيام تم إنجاز العروض الخاصة بولاية  تونس الكبرى ، على أن يتواصل ذلك في باقي الولايات . هذه العروض لاقت إستحسان سكان الأحياء وتفاعل الشباب والأطفال حيث تم تأسيس نوادي سينما جديدة كنادي سيدي حسين والبطان بطبربة في إنتظار أن يتم تأسيس نواد أخرى بالزهروني وبن قردان وسبيطلة      المكلفة بالإتصال أمل الرويسي  

العروض تم تأمينها على الأرصفة في الشوارع وعلى الشواطئ تحت شعار جيب كرسيك وايجا ففلسفة المهرجان تقوم على الذهاب بعيدا حيث لم يتعود الثقافي أن يتواجد متاحا للعموم و بعيدا عن الصورة النمطية التي التصقت بالفعل الثقافي و ضرورة وجوده داخل الأماكن المغلقة دون غيرها لتنعكس الصورة و يخرج الثقافي إلى العموم بحثا عن جمهور محتمل ليشمل ذلك المهتمين و غير المهتمين الذي يمكن استمالتهم للمواكبة و الانخراط ربما في الفعل الثقافي مستقبلا.

 

 

تتطلع الجامعة التونسية لنوادي السينما إلى نشر الثقافة من خلال الأفلام في إطار رؤيتها المتمثّلة في بناء مجتمع تونسي مدني وديمقراطي وواعي بحقّه في اختيار الصّورة التي يشاهدها،  يتبنى حق المواطنين والمواطنات في الولوج إلى الفن والثقافة. و يتعودون فيه على الحوار و على تأصيل كيانهم الإنساني

لم تتخلص تونس بعد من مثال ” الشاذلي القليبي ” للثقافة و الذي الذي تم وضعه مع بداية دولة الاستقلال و هو المثال الذي يمكن التعامل معه لاعتبارات سياقية و زمنية محددة لكن الأغرب في هذا أن تونس لم تنجح بعد في التخلص من هذا المثال لتبقى في منزلة بين المنزلتين في غياب واضح لسياسة ثقافية واضحة تقوم على عقود أهداف واضحة و لعل الاستثناء فعلا هو أن الحلول موجودة فعلا و بشكل جلي داخل مبادرات من قبيل مهرجان السينما في حومتنا بالنظر إلى القدرة الفعلية على التغيير استنادا على الطاقة التي تحرك الشباب القائمين على المهرجان. 

دوار هيشر – القباعة – وادي الليل – البطان – الجبل لحمر – الحلفاوين – العقبة – سيدي حسين السيجومي  – الزهروني  – حمام الأنف – المروج – المحمدية – سجنان – بازينة – تيبار – بوحجر – صيادة – المكنين – منزل بوزلفة – قليبية- سبيطلة – الرديف – الحامة – بنقردان.

بحسب القائمين على المهرجان فإن التحدي يبقى مجابهة الصعوبات التي ترافق مثل هذا العمل خصوصا تلك المتعلقة بالطورئ غير المنتظرة داخل أغلب الأحياء الأمر الذي يتطلب سرعة التفاعل و البديهة الأمر الذي لم يكن ليتم دون دافع الايمان بمثل هذا العمل و بمفعوله العميق و إن كان ذلك على المدى البعيد غير أن التحدي الأكبر يبقى دائما هو تفعيل مفهوم التأسيس بعد انقضاء العروض و نهايتها من خلال تأسيس نوادي السينما بهذه الأحياء لضمان استمرار الفعل الثقافي بالتواصل مع ذات الجمهور الذي واكب العروض و مع السعي دائما لتوسيع القاعدة.

متابعة  : مريم البريبري  و  خليل قطاطة