بين اعتباره صناعة صرفة و بين تصنيفه فنا قائما بذاته يحافظ ” البورنو ” على مكانته الدائمة في الحدائق الخلفية كسينما دون السينما و كعالم داخل علبة سوداء يعسر فيه التمييز بين الجهة المنتجة و الطرف المستهلك في الجهة الأخرى رغم دخول هذه الصناعة/الفن طور التقنين في عدد من الدول الا أنها بقيت مرتبطة و في جانبها المظلم بمتاهات غسيل الأموال و تبييضها علاوة على مواجهتها المباشرة للاعتبارات الأخلاقية بشكل خاص.
غياب خارطة واضحة لمسالك انتاج وتوزيع “البورنو” في شكل أرقام مقروءة مرده الرئيسي هو الصناعة الموازية التي تصاحب تلك المقننة هذا ان جاز طبعا أن نطلق صفة “صناعة” على كل مقطع مصور بين اثنين تقع اضافته الى خزينة المواقع المخصصة لذلك و لعل هذه الصفة تصبح سارية المفعول بالنظر الى ملايين المشاهدات و النقرات التي تخفي عائدات مالية عالية هذا بالإضافة الى ما يقع بيعه بشكل مباشر من أشرطة و ما يدفعه زائرو المواقع من تحويلات مالية للحصول على لقاء منفرد في غرفة دردشة بالفيديو مع من يختارونه من خلال الصور المعروضة.
بالعودة الى الصناعة المقننة في مجال ” البورنو ” يحرص صانعوه دائما على الاحتفاظ بالكواليس التي يقع تصويرها لأنفسهم و ذلك بتعلة الاحتفاظ بالصورة النهائية التي يقع اخراجها للجمهور غير أن هذا الوجه الخاضع للمونتاج الدقيق لم يكن دائما وفيا لهذا المبدأ بوجود انفلاتات هي بالضرورة انعكاس طبيعي لكون ممثلي ” البورنو ” بشرا في النهاية بعيدا عن سلعنتهم أو محاولة تجريدهم من صفاتهم الانسانية أو من ممارسة حياتهم الطبيعية بعيدا عن الكاميرا و لعل المثال الأبرز يبقى توجه ممثلة ” البورنو ” الايطالية شاشتولينا الى العمل السياسي و نجاحها في الحصول على مقعد برلماني من سنة 1987 الى سنة 1991.
لئن كانت الشهرة المكتسبة في ” البورنو ” من حظ النساء و بشكل مطلق فإن عددا من الرجال تمكن من ذلك أيضا و يبقى ” روكو سيفرادي ” على رأس هؤلاء و في مقدمتهم بعد تجربة طويلة توقفت منذ سنوات قليلة و لعل هذه الشهرة بالإضافة الى الجانب الغامض من حياة هؤلاء المشاهير كانا سببين كافيين لإنتاج وثائقي ” Rocco ” و الذي يصور بعضا من تفاصيل الحياة الخاصة لسيفريدي بعيدا عن اثارة الكاميرا و كاميرا الاثارة.
” Rocco ” .. وثائقي حول كواليس رجل البورنو الأشهر
لعبة اختيار زوايا التصوير التي تم من خلالها تأمين المشاهد في الوثائقي ” Rocco ” هي الواشي ربما بما كان يدور في رأسي مخرجي العمل ” تييري ديمايزيري ” و ” ألبان تيورلاي ” لحظة التفكير في انجاز عمل مماثل أو حتى في لحظات الانتاج الفعلي تصويرا و تركيبا فالـ ” بورنو ” هو العماد المفترض لعمل مماثل لكن الحقيقة كانت عكس ذلك.
” روكو سيفرادي ” هو اليوم ممثل ” بورنو ” سابق برتبة متقاعد بعد ثلاثين سنة من ” العطاء ” المتواصل و يعمل الوثائقي على تفكيك هذه السنوات الطوال و التوجه نحو استكشاف حياة طبيعية عاشها الرجل و يعيشها الى الآن بما في ذلك العائلة و الأبناء و ممارسة حياة يومية طبيعية مرورا بكواليس تصوير الأفلام التي كان بطلا فيها سواء بالتمثيل أو الاخراج.
عن العائلة و الأبناء .. سيرا على الحبال
لعبة التفاصيل لا تنتهي داخل هذا العمل الوثائقي فالكاميرا غير المحايدة بحث طوال الـ 105 دقائق عن التفاصيل الصغيرة الواشية و الفاضحة لما لم يقل خصوصا بمتابعة حركات الأيدي و النظرات الحزينة أحيانا خصوصا في الجزء الذي خصص للحديث عن العائلة في مشهد جمع الأب ” روكو ” بولديه الاثنين الذين قال أحدهما ” لم أفكر قط في الحصول على أب أفضل ” بينما اكتفت الكاميرا برصد الفتى الثاني الذي لم ينبس ببنت شفة في رفض مفترض لهذا الأب الذي كان ينظر الى ابنيه بنوع من الحزن قائلا و بنبرة جد خافتة ” هل فعلا أستحقكما ؟ “.
من ناحية الزوجة يكشف الوثائقي أن زوجة سيفرادي كانت بدورها ممثلة أفلام ” بورنو ” و لعل ذلك واحدا من الأسباب التي جعلت أمر تكوين هذه العائلة يتم بطريقة أكثر سلاسة لتفهمها لطبيعة عمل زوجها و تقبلها أن ” يطلق زوجها النار في الخارج ” و هو الذي اعترف خلال التصوير بأنه تخلص أخيرا من لعنة الشيطان المقيم بين رجليه.
الكيمياء العاطفية شرط المرور الى مرحلة التصوير ..
الصورة النمطية التي يقع تداولها و يحملها الكثيرون حول طبيعة العلاقات بين الممثلين في أفلام ” البورنو ” و التي تمتاز افتراضا بقدر من الحيوانية و التجرد من المشاعر الانسانية حطمها ” روكو سيفرادي ” بتصريحاته المثيرة داخل الفيلم الوثائقي الذي يحمل اسمه حيث يعتبر أن الشرط الرئيسي لقبول امرأة دون غيرها للقيام بأحد الأدوار هو ايجاد كيمياء عاطفية معينة معها الأمر الذي يتضح جليا من خلال اللقطات التي صورت في الكواليس و التي تظهر رجلا حريصا على أدق تفاصيل راحة شريكاته.
بشكل غير تقليدي اختار ” روكو سيفرادي ” أن يضع حدا لمسيرته المهنية من خلال تصوير هذا الوثائقي الذي ظهرت فيه عائلته و نشرت من خلاله صور طفولته للمرة الأولى و في الفيلم أيضا مشاهد حقيقية لعملية اختيار الشريكات و كيفية التعامل معهن خلف الكاميرا و أمامها في مشاهد لم تظهر كاملة بحثا عن تفاصيل قد لا يرصدها ” البورنو ” أحيانا و سبرا لأغوار ثلاثين سنة قضاها ” روكو سيفرادي ” في البحث عن الرغبة.
لعبة الظلال ..
لم يعمل الفيلم الوثائقي ” Rocco ” على تقييم ” البرونو ” بمحاكمته أخلاقيا كما لم يعمل في الآن ذاته على ابرازه ” عاريا ” بل انتهج طريقة لعبة الظلال باعتماد القيم الضوئية البيضاء و السوداء فمن الواضح أن الرجل الصاخب ” روكو سيفرادي “و الذي قضى السواد الأعظم من عمره تحت الأضواء كان يستعد لحزم حقائبه نهائيا للعبور الى منطقة الظل التي تعد الأخطر في حياة كل الذين خبروا الأضواء و أدمنوها و لعل الأمر يبقى أشد تعقيدا داخل عالم ” البورنو ” الغامض خصوصا مع حالات الانتحار المرتفعة التي سجلت في صفوف مشاهير هذا المجال خصوصا من النساء اللواتي ابتعدن عن الأضواء.
” سيفريدي ” الذي كان ظهوره خلال الثلاثين سنة الأخيرة معتمدا على الحركة مع القليل من الكلام لم يكن خلال كل مراحل ” التصوير الأخير ” في وضع نفسي جيد بل كانت علامات الحزن هي الطاغية على ملامحه و لعل هذه الحالة كانت في أوجها مع مشهد الاستحمام الذي رافق بداية الفيلم الوثائقي و الذي ميزه الأبيض و الأسود في اشارة ربما للتطهر و للاستحمام الأخير ربما لتبقى القراءات مفتوحة و متاحة داخل ما يعتمل في نفس ” روكو ” المنقسم بين ” قدره ” و بين ” الرغبة ”
خليل قطاطة