دون التوجه اليه بالسؤال مباشرة لا يمكن بأي حال الظفر بإجابة شافية من حسين مرعي حول ملابسات قيامه بالتعري على خشبة المسرح البلدي بتونس تماما مثلما نبقى في غنى عن إجابة تجعلنا نضع شرطيا داخل نواياه قصد لومه و تقريعه و معاقبته و محاكمته استنادا الى الشائع من الاخلاق و لاستحالة طرق البابين المذكورين و بعيدا عن التفتيش في النوايا فإن الزاوية التي يمكن أن يمكن أن ننظر منها هي زاوية الفعل و قياس رد الفعل و هي في نفس الوقت زاوية كل ما يحيط بالعرض المذكور من جنسية صاحبه  ” السورية ” وصولا الى آخر تعليق سيكتب على شبكة التواصل الاجتماعي.

فصل ثان ولكن بتفاصيل مغايرة كتب بعد أيام قليلة من العرض السوري لكن هذه المرة في صفاقس مع عرض برازيلي غادره عدد من الحاضرين احتجاجا على مشهد اعتبروه لا أخلاقيا والحال أن الأمر لم يتجاوز توظيف دمية بلاستيكية داخل سياق تصعيدي متناسق مع فكرة العمل وروحه فقط لإبراز الضغط الذي يعيش بطل العمل على وقعه.

العرضان ” البرازيلي ” والسوري “والمدرجان ضمن أيام قرطاج المسرحية قد لا يلتقيان فنيا على أي صعيد لكنها ودون ترتيب مسبق صارا متقاطعين داخل الدائرة التي صار الفني يحاصر داخلها في تونس اليوم والتي صارت تشهد تدخل كل الأصابع فيها من الأخلاقي الى الديني الى الباحثين عن كسب النقاط السياسية.

المشهد الذي من أجله قوطع العرض البرازيلي في صفاقس 

 

من رقيب بيده مقص الى آخر بيده مسبحة..

الانطلاق من فكرة اعتبار كل جسد حديقة خلفية وجب حفضها عن الأعين قد يكون فعلا مدخلا جيدا لاستيعاب تلك الرجة التي أحدثها فعل ” التعري ” الذي كان المسرح البلدي بالعاصمة تونس مسرحا له والأمر هنا وفي هزاته الارتدادية قد جاوز تونس ليبلغ محيطها العربي الواسع وبالبقاء داخل المجال الفني دائما يمكن الجزم مثلا بأن لردة الفعل المذكورة أصولا وجذورا داخل السينما العربية من ناحيتي العمل المقدم و ردة الفعل المصاحبة و يمكن هنا ذكر عدد من الأعمال التي حملت مشاهد تعر كامل مثل ” ذئاب لا تأكل اللحم ” في مصر و “عصفور سطح ” في تونس و أخيرا ” في عمري هذا مازلت نتخبى باش نتكيف ” في الجزائر و من نافل القول طبعا أن كل الأعمال المذكورة رافقتها ضجة و لغط يتواصل بعضه الى اليوم.

من الغريب فعلا أن يقف تاريخ الحرية داخل الفن في المحيط العربي على رأسه مقلوبا فالحديث عن الأعمال المذكورة والتي تحتوي نوعا من المصالحة مع الجسد صار يقابله اليوم حديث عن الفن والسينما النظيفة في شكل انحسار لما كان وتغير عميق في النظرة والمفاهيم وهو دون شك مرافق لتلك التغيرات التي تشهدها هذه الرقعة من العالم لمزيد الانغلاق على الذات وبالتغير الذوقي في شكل تشوه جمالي صار يميز حتى تلك الألوان التي يختارها الناس لملابسهم التي يرتدونها في الشارع.

في مقام ثان ومتصل فإن ردة الفعل التي صاحبت مشهد التعري خلال العرض المسرحي ليست سابقة في مجال المسرح العربي من جهتي الفعل وردة الفعل دائما حيث لمسنا نفس الملابسات تقريبا و منذ سنوات في المغرب رغم أن الأمر كان متعلقا ببعض تعر كانت بطلته الفنانة ” لطيفة أحرار ” و التي لقيت حينها استهجانا و سخطا كبيرين في المغرب و لعل نفس تلك الريح هي التي أججت قضية خدش الحياء المتعلقة بالفنانة المصرية ” رانيا يوسف ” مؤخرا بعد ظهورها بفستان اعتبره الكثيرون غير لائق و هي نفس الريح التي هبت على المسرح البلدي بتونس و لكن بصدمة أعنف ربما بعد أن صار ” المتعري ” هذه المرة رجلا و هو أمر قد يراه الأوصياء  أشد خطورة باعتبار نظرتهم الدونية للمرأة و جسدها.

بعيدا عن المسرح ولكن قريبا من المسرح البلدي شهد الشارع الأشهر في تونس ” الحبيب بورقيبة ” منذ أسابيع قليلة عملية تفجير إرهابية أودت بحياة منفذتها ودون العودة الى التفاصيل الأمنية والى الدوافع والأسباب التي عجلت بإنهاء حياة ابنة الثلاثين عاما على هذا النحو فإن النقطة التي يمكننا العودة اليها داخل سياق الحديث عن التعري دائما هو صورة جثتها التي صارت موضوعا للتندر على قاعدة تمزق ملابسها واختراقها وظهور أجزاء حميمية من جسدها بالإضافة الى ملابسها الداخلية و لعل في الأمر جانبا إيجابيا و صحيا يبرز في قدرة التونسيين على السخرية و التجاوز لكنه يعكس و في الجانب الآخر ذلك الشعور بالدهشة الذي ينتاب التونسي أمام كل جسد آخر غريب عنه و الذي يمكن اعتباره تمظهرا طبيعيا لكون هذه المصالحة غائبة بدورها و بشكل رئيس بين التونسي و جسده.

 

بقلم : خليل قطاطة