بتتالي حلقاته وتقدمها يبدو أن العمل التلفزيوني الجديد ” نوبة ” للمخرج ” عبد الحميد بوشناق “قد انطلق وبالفعل في عملية تقديم نفسه كواحد من الاكتشافات المحتملة للموسم التلفزيوني الجديد في تونس والمقتصر دائما على الفترة الرمضانية دون غيرها. تقديم يأتي بنوع من التأخير لاعتبارات قد تهم جملة الصعوبات التي تمر بها قناة ” نسمة ” في ظل ضبابية وضعيتها القانونية وتأرجحها بين المواصلة والاغلاق باعتبارها جهة عرض وإنتاج.القائمون على العمل فنيا و بالعودة الى تقييم أسبوع من العرض وجدوا تفاعلا تصاعديا تجسد و بشكل عملي في دخول ” نوبة ” سباق تصدر الأعمال التلفزية المقدمة في تونس سواء تعلق الأمر بالانتاجات في الاعلام العمومي أو الخاص. 

في ” نوبة ” الكتابة التي تشبه التونسيين 

مثل لغة حمالة أوجه تبقى ” الدارجة ” التونسية فخا يشي للراغب في الاقتراب منه بسهولة النيل منه لكنها و في المحصلة تنتهي و في أغلب هذه المحاولات بالضحك على صاحب المحاولة و حتى لا نسقط في التعميم فإن عددا هاما من الأعمال التلفزيونية التونسية المقدمة و خلال السنوات الأخيرة كان ساقطا في فخ  اللغة البيضاء أو اللغة الثالثة التي تمتزج فيها ” الدارجة ” بعدد من مصطلحات الفصحى و هي لغة غريبة و منفرة الأمر الذي عالجته ” نوبة ” بل و تجاوزته باستعمال لغة تشبه التونسيين في كلماتها و في موسيقاها ووقعها على الأذن الأمر الذي لا يمكن فصله قطعا عن مضمون هذا الكلام غير المنفصل بدوره عن الحياة اليومية بعيدا عن استعمال الأمثلة الفجة و المتواترة في التلفزة التونسية كاستعمال صورة الريفي مثلا لابتزاز نوع من التفكه. 

رغم النسق التصاعدي الذي يعيشه السرد التونسي ممثلا في  الرواية خصوصا و من خلال جيل جديد من الروائيين الذين يعملون على تقديم كتابة تونسية جديدة و مغايرة الأمر الذي نجح و الى حد كبير في ارساء ملامح بداية مصالحة بين الكتاب و القارئ التونسيين فإن هذا التطور لم يشفع ربما للرواية التونسية حتى تكون قبلة للقائمين على انتاج الأعمال التلفزيونية و حتى السينمائية لتبقى بعيدة بأفكارها و بكتابها عن هذا المجال باستثناء حالات نادرة في شكل حوادث متباعدة في الزمن.

فن المزود .. هنا الهامش 

اقتحام عالم ” الزوفرة ” أو عالم الذين هم على يسار كل شيء و العمل على شده من عزلته الى عموم الجمهور يبقى عملا متغيرا و مختلفا باختلاف المحمل الفني و خصوصا رهين عين مخرج العمل و كاتبه و القائمين على بلورة تفاصيله و الأمر في ” نوبة ” ” عبد الحميد بوشناق ” يلتزم بهذه القاعدة بل و يطنب في تطبيقها حيث لا يمكن فصل قراءة الصور و صغار التفاصيل دون التنبه الى أن ” بوشناق ” المخرج هو ابن هذه البئية الموسيقية التي قام باعادة تركيبها و أن كل هذه التفاصيل التي تحيط بعالم الموسيقى و “ المزود ” من ممتهنيه و من مريديه هي تفاصيل حقيقية و حية و أن الموسيقى عند ” الزوفرة ” هي أسلوب حياة ينطلق من كونه مصدر رزق اختياري أو حتى اضطراري وصولا الى آخر خيط دخان منبعث من مبخرة داخل حفل مرورا بكل باليومي المغمس بدوره في موسيقى حتى رأسه.  

لاعتبارات تهم الرغبة في توجيه الذائقة العامة زمن حكم الرئيس بورقيبة خصوصا تم تحجيم الحضور العلني و المعلن لآلة ” المزود ”  في وسائل الاعلام التي كانت الدولة و بشكل بديهي تحتكرها من الاذاعة الى التلفزيون العموميين و من الغريب فعلا أن رفع الحصار عن هذه الآلة العجيبة لم يكن كافيا ليجعلنا اليوم نعثر على مراجع و شهادات واضحة تهم تاريخ هذا الفن و هذه الآلة و خصوصا سر ارتباطهما بعالم الهامش و الحقيقة أن المرجع المتاح و الذي عمل على توضيح هذه الصورة كان  عملا وثائقيا للمخرجة التونسية ” سنية الشامخي ” بعنوان ” فن المزود ” وفيه عودة على شهادات حية و قصص حقيقية وردت على لسان فنانين و مريدين و حتى مؤرخين. 

في ” نوبة ” و على سبيل المثال لم تظهر أسماء حقيقية لشخصيات موسيقية بعينها الأمر أتاح للمخرج ربما هامشا من الحرية دون السقوط في الفنتازيا حيث أن روح شخصيات بعينها كانت حاضرة بشكل غير منتظم من خلال الأغاني و أساليب التخاطب و حتى طرق العيش و لعل الرهان في هذا هو استقطاب المتفرج في النهاية الى هذه البيئة التي تشبه نفسها فحسب حيث يجتمع كل شيء دون التطرف في السواد و العنف المطلق و دون السقوط أيضا في تسويق البياض الكامل. 

جيل جديد من الممثلين 

متابعة جينيريك ” نوبة ” و ملاحظة ترتيب أسماء الممثلين فيه قد تصيب المشاهد و للوهلة الأولى بنوع من الاستغراب الذي يعود لوجود أسماء ووجوه جديدة تسبق في تقديمها و ترتيبها عددا من الأسماء الكبيرة لكن هذه الحيرة و بمتابعة تفاصيل العمل تباعا سرعان ما تتبدد حيث يبدو مخرج العمل و كاتب السيناريو فيه ” عبد الحميد بوشناق ” موفقا و الى حد كبير في الدفع بهذا الكم من الأسماء الجديدة و المراهنة عليها بل و كأن اختيار الممثلين قد تم فعلا في الطور الأول من تخيل الشخصيات لتكون الكتابة على المقاس تماما لكل شخصية على حدة. الحديث عن جيل جديد من الممثلين الذين لم يخبرهم جمهور التلفزة في تونس مثل ” بلال بريكي ” “عزيز الجبالي ” ” أميرة الشبلي ” ” هالة عياد ” ” ياسمين الديماسي ” و ” بلال سلاطنية ” لم يكن ليمر دون التعرض للاسناد الفني الكبير الذي أمنه الفنانان الكبيران ” لسعد بن عبد الله ”  “ البحري الرحالي ”  ” حسين المحنوش ” و ” رضا عزيز ” استثمارا لخبرة طويلة سواء في المسرح أو السينما أو العمل التلفزي.   

 

خليل قطاطة