أمضى رئيس جنوب إفريقيا السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام 27 عامًا في السجن، بما في ذلك 18 عامًا في زنزانة رطبة بمساحة 2.1 مترًا مربعًا. دون التوقف عن التدريب.
أجبر انتشار فيروس كورونا الملايين من الناس حول العالم على تقييد أنفسهم في منازلهم والتخلي عن التدريبات في الهواء الطلق. عندما يكون لدينا منزل كبير وحديقة، فإن الوضع يمكن التحكم فيه، ولكن ماذا لو كنا نعيش في منازل ضيقة أو شقق صغيرة؟ هل يمكن أن نتجنب الخروج أثناء الحجر؟
يدرس جافين إيفانز كيف تمكن ملاكم وأيقونة التحرير السابق في جنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، من الحفاظ على لياقته أثناء احتجازه في زنزانة صغيرة في جزيرة روبن.
15 فبراير 1990: يستيقظ نيلسون مانديلا، كما هو الحال دائمًا، في تمام الساعة الخامسة صباحًا، ويبدأ برنامجه التدريبي لمدة ساعة. الفرق هذه المرة هو أنه بدلاً من زنزانة السجن، فإن صالة الألعاب الرياضية الخاصة به عبارة عن غرفة في منزله “علبة الثقاب” – الذي سمي هكذا لحجمه الصغير- والذي يقع في 8115، شارع فيلاكازي، في سويتو. وسرعان ما سيحاصره الصحفيون والمتعاطفون والدبلوماسيون وأفراد عائلته الذين سيأتون لاستقباله بعد إطلاق سراحه من السجن قبل أربعة أيام.
أجريت معه مقابلة بعد ساعات قليلة لأسأله عما يخطط للقيام به. إجاباته واضحة ومختصرة وأنا متوتر للغاية من التوسع فيها. ولكن، في النهاية، سألته سؤالًا عن الملاكمة، ليتغير موقفه المتحفظ فجأة. مشعًا بالفرح، بدأ في الحديث عن الملاكمين المفضلين لديه وكيف تابع أخبار هذه الرياضة في السجن.
بدأ مانديلا الملاكمة عندما كان طالبًا في جامعة فورت هير. وبدأ في التدرب بجدية أكبر خلال سنوات الدراسة والعمل والكفاح في جوهانسبرغ في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، على الرغم من أنه لم يذهب إلى حد المنافسة. بعد عقود، كان متواضعا بشأن مستواه: “لم أكن أبدا ملاكمًا استثنائيًا”، كتب في سيرته الذاتية “طريق طويل إلى الحرية”.
“كنت في صنف الوزن الثقيل ولم يكن لدي ما يكفي من القوة للتعويض عن نقص السرعة ولا السرعة الكافية للتعويض عن نقص القوة”.
وكان يقدر بشكل خاص صرامة التدريب، وهو روتين يتم كسره دوريًا بسبب الاعتقالات ومتطلبات “الكفاح”. كتب: “كنت أقضي غضبي وإحباطي على كيس الضرب بدلًا من مهاجمة رفيق أو حتى ضابط شرطة”.
اللجوء إلى التمارين
اعتبر مانديلا أن هذا الروتين هو مفتاح صحته الجسدية وراحة البال. “ممارسة تبدد التوتر والتوتر عدو السكينة. اكتشفت أنني عملت بشكل أفضل وفكرت بشكل أكثر وضوحًا عندما كنت في حالة بدنية جيدة، ولذا عزمت بكل إصرار، على الانضباط في التدريب طوال حياتي”.
كان يركض أربع مرات في الأسبوع ويتدرب ثلاث أمسيات في الأسبوع في صالة ملاكمة في سويتو. كانت طريقته للضياع “في شيء غير الكفاح”. وكان يقول إنه استيقظ في صباح اليوم التالي وهو يشعر بالانتعاش، “أخف وزنا عقليا وجسديا” و “مستعد للعودة إلى المعركة”.
منذ عام 1960، بدأ مانديلا في تنظيم الحملة السرية للفرع العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي الـuKhonto weSizwe، مسافرًا في جميع أنحاء البلاد متنكرا كسائق، ومسافرًا إلى الخارج لحشد الدعم، وهكذا أصبح تدريبه على الملاكمة متقطعًا.
“كزبرة الثعلب السوداء” كما كان يسمّى (نسبة لبطل في رواية وملحمة بريطانية “كزبرة الثعلب القرمزية”)، أعتُقل في العام 1962 -بإرشادات قدمتها وكالة المخابرات المركزية لشرطة نظام الفصل العنصري كما علمنا بعد ذلك- وقضى السنوات السبع والعشرين والنصف التالية في السجن، بما في ذلك ثمانية عشر سنة في جزيرة روبن.
الحياة خلف القضبان
عندما وصل مانديلا إلى جزيرة روبن، ضحك حارس السجن، “مرحبًا بك في الجزيرة. هذا هو المكان الذي ستموت فيه”. جزء من الصعوبة في حياته كسجين كان الاعتياد على الرتابة. كما يصوغها هو نفسه: “الحياة في السجن هي مسألة روتينية: كل يوم مماثل لليوم السابق، وكل أسبوع أيضًا، بحيث تندمج الأشهر والسنوات في بعضها البعض”.
يتمثّل الروتين اليومي للسجين رقم 46664، في العمل اليدوي الشاق: عملٌ في مقلع لاستخراج الحجر الجيري باستخدام مطارق ثقيلة لتفتيت صخور الحصى. كان العمل مرهقًا، لكن مانديلا لم يتخل عن تمارينه البدنية للسنة الماضية. من الآن تبدأ الطقوس في الخامسة صباحًا في زنزانة رطبة بمساحة 2.1 مترًا مربعًا بدلاً من قاعة ملاكمة مبللة بالعرق في سويتو. ويشرح قائلاً: “حاولت إتباع روتيني القديم في الملاكمة الذي يتكوّن من الجري وتدريب العضلات”.
كان يبدأ بالركض على الفور لمدة خمس وأربعين دقيقة، ثم يقوم بـ 100 حركة من تمرين ضغط بأصابع ممتدة، و200 لعضلات البطن، و50 من الانحناءات العميقة للركبة وتمارين رياضية تم تعلمها خلال تدريبه الداخلي (في ذلك الوقت، وحتى اليوم، يتضمن ذلك قفزات النجمة و “ تمارين بيربي”، وحركات تبدأ في الوقوف قبل القرفصاء، ووضع يديك على الأرض، ورمي قدميك في ثم العودة إلى وضع القرفصاء ثم النهوض).
كان مانديلا مستمرًا في هذا الروتين من الاثنين إلى الخميس، ثم كان يستريح لمدة ثلاثة أيام. حافظ على هذه الوتيرة حتى خلال فترات إقامته العديدة في عزلة.
التغلب على مرض السل
في عام 1988، وهو يبلغ من العمر 70 عامًا، أصيب بالسل، والذي تفاقم بسبب الرطوبة في زنزانته. وتم إدخاله إلى المستشفى وهو يسعل الدم. ثم نُقل إلى منزل حارس السجن في سجن فيكتور فيرستر، بالقرب من بارل، واستأنف بسرعة نسخة مقتضبة من برنامجه التدريبي، والذي أصبح يتضمن لفات في المسبح.
أُطلق سراحه من السجن مع سجناء سياسيين آخرين في 11 فبراير 1990، بعد تسعة أيام من رفع الحظر المفروض على المؤتمر الوطني الأفريقي وحركات التحرير الأخرى. ثم أصبح أول رئيس لجنوب إفريقيا الديمقراطية، وهو المنصب الذي شغله من 1994 إلى 1999.
وبطبيعة الحال، عندما وصل إلى عتبة 80 عامًا، قلل من برنامج التمرين، لكنه لم يتخل عنه أبدًا. توفي في 5 ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 95 عامًا، من عدوى تنفسية.
يعتقد مانديلا أن عادة ممارسة الرياضة طوال حياته قد ساعدته على البقاء والخروج من السجن جاهزًا للتحديات التي كانت تنتظره. وقال “في السجن كان من الضروري للغاية أن يكون لدي متنفس لإحباطي”. وهي الكلمات التي توجه بلا شك إلى جميع الذين يجدون أنفسهم اليوم، بسبب وباء فيروس كورونا، مضطرين لمواجهة أشهر من الحجر في ظروف ضيقة.
ترجمة عن مجلة Le Point الفرنسية.