يجب أن أوضح في البداية أني أحترم كثيرا المخرج مراد بن الشيخ وتجربته السينمائية وكم أتعجب من موافقته على إخراج سيناريو هزيل ومفكك الاوصال كسيناريو أولاد الغول رغم رفض عدة مخرجين تولي مهمة إخراجه منذ سنين.
وحتى أكون واضحا أكثر يجب أن اعترف ان رفيقة بوجدي قلم درامي متميز تشهد على ذلك عدة أعمال سابقة ناجحة لها فهل اطمأنت للمكانة التي بلغتها وصارت ” تكعور” وغابت الجدية او النفحة على عملها الأخير… ربما ؟!!!
بؤس السيناريو
لعل من أكثر الوضعيات الدرامية تداولا في المسلسلات وفي مختلف بلدان العالم ( منذ الأخوة كرامازوف لدستويفسكي) هي الدراما العائلية ( ساغا فاميليال) وهي مضبوطة بشروط محددة على مستوى الأحداث والبناء النفسي والثقافي للشخصيات ( ربما شاهدتم تميز ذلك في مسلسل قصر النيل المصري لهذه السنة)، شروط يبدو أن كاتبة السيناريو لم تتقيد بها او لا تعرفها أصلا!!! لذلك جاءت حكايتها في غير ما انسجام دلالي او مضموني ففي مقاطع منها نحسها نوعا من سينما المؤلف ( برموز غريبة سنعود إليها، حضور الفن..) وهي بوليسية في مقاطع أخرى ( دون وعي بهذا النوع ودون إلمام بابجديات التحقيق في جريمة قتل) فمثلا السماح للابنة والابن بالسفر والتحقيق لم ينته في جريمة قتل؟!!! وجود المفتش في الطابق الأول ومشاهدته لانهيار الابنة في الصالون وثورتها على امها واخيها الأكبر هارون تمر عليها الكاتبة مر الكرام وكأنها نسيت تفاصيل حكايتها؟!! ولكأنها حكاية مضروبة في خلاط ( عصير دجاج)…
التطبيع مع الجريمة
يقوم المسلسل في حبكته شبه الرئيسية على جريمة قتل الأب إسماعيل الغول ( أداء متميز كالعادة لفتحي الهداوي) وفي جانب ثان على جريمة خطف زوجة يوسف وموتها وهو موت يرقى إلى الجريمة ( باعتبار عدم حملها للولادة في المستشفى) هاتان الجريمتان تقعان أمام أنظار ( ومسامع) عدة شخصيات فقتل الأب شهد عليه الابن قابيل واخته وسمعت به الطالبة المنحلة ( مرام بن عزيزة في دور ليس لسنها ولا لقدراتها المحدودة جدا جدا جدا!!!) وجريمة زوجة يوسف شهدت عليها الطالبة والعامل ( محمد قريع في عمل دون مستوى قدراته الكبيرة).. َوكل هؤلاء الشهود يواصلون حياتهم بشكل عادي دون تفكير في فضح المجرم او قول شهادة حق!!! فهل يعقل هذا في المجتمع التونسي مجتمع الوشاية والخوف من الدم؟!! يعني صارت الروح كالذبابة في بلادنا.. أليس هذا تطبيعا مع الجريمة؟!! ولن تقنعني أي إجابة منك سيدة رفيقة!!!

الصورة من العمل (المصدر : الصفحة الرسمية للمسلسل )
خزعبلات الرموز
في دراسة الرموز والابعاد الرمزية للحكايات سواء مع بيرس أو غريماس او جيابار ديرون او بارط او غيرهم لم تمر بي حالة خلط في أثر فني ما كالتي رأيتها في اولاد الغول، فمنذ الجنيريك تضعنا الصور في نوع من المقارنة بين الشطرنج ولعبة الورق ( شكبه لا تارو!!!) وتاتي ورقة الموجيره ( ربما كناية عن الكاملة الأم الصارمة التي ادتها الفنانة وحيدة الدريدي بكل حرفية رغم سوء بناء الشخصية) لتسقط الملك فوق الرقعة ( ربما كناية عن اسماعيل الغول).. هذا البعد الرمزي الظاهر في الجنيريك لا وجود له دراميا على مستوى الفعل والأحداث والخطاب.. اللهم اذا فسرنا المسألة بأن الشطرنج لعبة نخبوية يقبل عليه لاعبون لديهم حد أدنى من الثقافة والتفكير المنطقي في حين ان الشكبه هي لعبة تقبل عليها العامة والدهماء، فيكون الاستنتاج الطبيعي أن الكاتبة تنتصر للجهل ضد المعرفة وللخزعبلات على حساب العلم.
ولكأن الكاتبة في محاولة لملء فراغ شخصية الكاملة اوجدت لها هواية قراءة الورق لسد الفراغ.. بعيدا عن الاستغلال الرمزي ( وهنا تصبح الكارثة أعظم!!! كاتب لا يعرف الغاية مما يكتب وربما هذا ما جعل نهاية المسلسل بلا نهاية!!!).

الصورة من العمل (المصدر : الصفحة الرسمية للمسلسل )
يتبع ..