في زمن الرقابة الأبوية يحدث أن.. تعود للبيت ثملا ليقع الإمساك بك في حالة ” اشتباه ” بعد تمكنك من إخفاء آثار الرائحة بشكل مسبق ويحدث أن يتفتق ذهن ” الأب ” عن حيلة رسم خط مستقيم ودعوتك لعبوره بشكل متواصل بين ذهاب وإياب دون تعثر أو ارتباك.
بالمناسبة.. عبورك الناجح للخط المرسوم كان يمكن أن يمنحك فرصة فريدة لتسجيل نقاط على أبيك في شكل اقتطاع قدر أكبر من التحرر المستقبلي في علاقة بتفاصيل تهم ” مثلا ” توسعة هامش التأخر ليلا دون التعرض لكيل الشتائم والتقريع خصوصا وأنك قد أتممت للتو ما طلبه منك” الأب ” لكن رغبتك في عناد ابتسامة اخوتك هي التي دفعتك للانطلاق في استعراض عملية ” ذهاب وإياب ” اضافية و مجانية انتهت طبعا بتعثرك في خيوط حذائك ليعود ” الأب ” الذي أوشك منذ لحظات على ترك سبيلك لنقض حكمه وتنفيذ عقوبته في آن.
في الصورة ومنذ أسابيع طويلة يقف فنانو المهرجانات بدولة ” مصر ” في تبرّم منتظرين دورهم في قطع الخط المستقيم الذي رسمه لهم وبشكل مسبق نقيب الموسيقيين هناك بعد أن حوّل نفسه الى سلطة فنية أصلية لا سلطة فوقها مهمتها الأساسية محاولة ترسيخ ” النموذج ” أو ” المودال ” الذي يكون الخروج عنه سببا وجيها لمنع القائم بذلك من الغناء والظهور في الحفلات العامة وحتى الخاصة بل ان الاخبار القادمة من هناك تشير الى وجود تفكير سريالي في منع فناني المهرجانات من الظهور حتى على المنصات الرقمية.
موسيقيا.. قد لا تلتقي ” المهرجانات ” بدولة مصر مع ” موسيقى ” الراب ” في ” تونس ” خصوصا حين يتعلق الأمر بالمضامين التي تنزع في المهرجانات نحو العاطفي تقريبا دون غيره بينما تتجاوز ذلك في تونس نحو الاجتماعي والسياسي لكنهما و دون شك يلتقيان في مسألة التصعيد المباغت لأصوات و أسماء ووجوه من داخل الهامش المجتمعي للبلدين بعيدا عن مدارس و معاهد تعليم الموسيقى و بعيدا عن كل ” المودالات ” التقليدية.
قد لا نحب موسيقي الراب وقد لا نستسيغ ما ينتجه فنانو المهرجانات لكن هذا الظهور الطوفاني المفاجئ والمصحوب بحجم فلكي على مستوى التفاعلات والمتابعات على المنصات الرقمية أو حتى على مستوى العروض والحفلات المباشرة كان من الأجدر أن يتحول الى مادة جدية للفهم والتفكيك على المستوى السوسيولوجي والاجتماعي لا الى طوفان معاكس هدفه الرئيسي ” المنع ” بكل الأشكال وتحت رايات مختلفة مرة باسم الدين ومرة باسم الأخلاق ومرات عديدة باسم الخروج عن النموذج المجتمعي والتجذيف على مثال فني هلامي.
منذ أسابيع طويلة وخلف فناني ” المهرجانات ” في طابورهم الطويل يقف ” عمر الزهيري ” مخرج فيلم ” ريش ” رفقة كل صناع الفيلم من ممثلين وتقنيين منتظرين دورهم في قطع الخط المستقيم بعد رميهم بتهم تقديم صورة سينمائية من شأنها تشويه الداخل المصري بإبراز مظاهر الفقر والتهميش دون غيرها.
بمراجعة أرقام تقاسمها ومشاهدتها على حسابتنا في مواقع التواصل من منا لم يتوقف أمام أغنية “ آه يا لا لي ” في تلك النسخة التي يقدمها رجال متقدمون في السن نسبيا ولكن هل تسائل أحد منا .. من هؤلاء؟؟ هؤلاء هم خلاصة تجربة فريدة قامت على استقطاب مجموعة من خارج الوسط الفني لتكوين ما سمي بـ ” فرقة الطنبورة ” داخل الفضاء المسرحي ” الضمة ” لإعادة تقديم عدد من الأغاني المصرية بروح مختلفة فيما يشبه والى حد كبير فكرة مسرح الادماج التي تقوم على ادغام عناصر جديدة تتوفر لديها تلك ” الرغبة ” في خوض التجربة حين كان للطبيعة رأي مغاير حيث ينضبط العمل في النهاية الى قدرة هاته العناصر وامكانياتها.
بذات فلسفة فكرة ” الطنبورة ” قدم ” الزهيري ” عمله السينمائي ” ريش ” بعيدا عن الاستعانة بنجوم الشباك أو حتى بوجوه الصفوف الثانية والثالثة من الممثلين الذي يعرفون الكاميرا وتعرفهم في سياق ” تجربة ” فنية كادت أن تكون عادية لولا تلك العاصفة المجانية التي أثيرت حولها لتأخذ العمل الى منطقة تنازع غير فنية بالمرة ليكون محل مزايدة عجلت بانسحاب السينما من الباب الصغير دون أن يلحظ أحد مغادرتها وغيابها.
في ذات الطابور دائما وان بأثر رجعي تقف الفنانة المغربية ” لطيفة أحرار ” ويقف الفنان السوري ” حسين مرعي ” حيث يواجهان تهم التعري على خشبات المسرح الأولى سنة 2010 ببروكسيل البلجيكية والثاني سنة 2018 خلال أيام قرطاج المسرحية.
” منى زكي ” هي آخر الملتحقات بـ ” طـــابور ” الخط المستقيم مباشرة بعد انطلاق عرض فيلم ” أصحاب و لا أعز ” على منصــة “ Netflix” يومان فقط من العرض كانا كافيين ليتحرك الجميع بتلازم عجيب للتنديد بالفيلم و بصناعه من ناحية و لافراد ” منى زكي “من ناحية اخرى بالقسم الأكبر من الانتقاد الذي جاوز ذلك الى حملات من الذم و التجريح الأمر الذي أسندته طبعا آلاف التعاليق على المنصات الاجتماعية. لا حديث عن السينما و لا حديث عن الاخراج و لاعن زوايا التصوير و لا عن كتابة السيناريو و لا عن الاضاءة أو الأداء فالجميع منشغلون و منزعجون لوجود شخصية رجل مثلي داخل العمل و الجميع متفرغون الآن للحديث عن اثم تشريح الاشكاليات الاسرية فوق الطاولة بشكل علني و أمام الملأ. الجهات الرقابية في مصر أخلت ذمتها من العمل معتبرة اياه عملا لبنانيا صرفا مذاعا على منصة غير مصرية مشددة على رفض عرضه في دور السينما المصرية ان طلب منها ذلك عشرات القضايا تم رفعها بحجة الاساءة الى الذوق العام في مصر البرلمان المصري بدوره تحرك بشكل سريع و مفاجئ للخوض في الأمر و عشرات الفنانين تحركوا بدورهم للوم ” منى زكي ” و تقريعها على قبول دور مشابه في دعوة لاقناعها ربما للتنصل من العمل و التبرأ منه.
” أصحاب و لا أعز ” هو في النهاية سطر جديد في نعي سبق نشره في موت ناقد السينما أو في تقلص دوره الى درجة بقاءه مستقيلا ومنفردا على الربوة يشرب قهوته أو ما تيسر من سوائل أخرى متابعا قصف المنجنيقات على الفايسبوك و على غيره من المنصات بين المنتصرين لأخلاقهم و لأفكارهم و لصورة يريدون تأبيدها و بين معارضيهم في الشق المقابل من المنتصرين لأفكار أخرى في غياب تام للسينما و الحديث عنها.
.. لكن ماذا لو قرر صناع الفايسبوك تجميع كل المحاداثات و الصور الخاصة بنا و نشرها للعموم في كتاب أو على منصة مفتوحة ؟؟ سؤال يتيم أطلقه الناقد من ربوته لكنه كان كافيا لتوجيه كل منجنيقات الطرفين نحوه.
بعيدا عن هذا الكم من التناحر الافتراضي الذي أحدثه ظهور فيلم ” أصحاب ولا أعز ” كان من الواضح أن ميلادا فنيا جديدا كان يعد على مهل في شكل اعادة اكتشاف للفنان اللبناني ” جورج خباز ” الذي قدم لنا نفسه منذ سنوات كموسيقي خصوصا مع انتشار أغنية ” كبرت البنوت “.
في ذات الطابور مخرج وكاتب سيناريو تونسيان ينتظران عبورهما ” الخط المستقيم ” بعد أن صار لزاما عليهما عرض كل شخصية يركّبناها على لجان تمثل القطاعات والمنظمات والجمعيات.
خلال سنوات قليلة.. سنكون ربما بلا سينما وقد تختفي الاعمال التلفزيونية والمسرحية مع تقلص متسارع لمساحات الخيال وتعاظم لدور الرقابات وتفرعها بشكل مرعب وسعي كل من فيها الى فرض ” المودال ” الذي يريد سواء تسبب في ذلك جهله أو سوء نيته فالنتيجة واحدة.